كمقدمة يجب الاتفاق عليها، فإن مبدأ الإحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المبادئ الإسلامية المقدسة والعظيمة.
كما يجب على الأمة المحافظة على شِقَّيْ هذا المبدأ:1=الأمر بالمعروف،2=والنهي عن المنكر.
لكن نظرًا لغلبة الشق الثاني وغياب أو ضعف الشق الأول في العمل الميداني، إنصرفت أذهان الناس عند إطلاق كلمة الإحتساب إلى إنكار المنكر خاصة، بل تمَّ إختزال فكرة المنكر في المنكرات الشهوانية في الأعم الأغلب.
ومن أكبر التحديات التي تواجه تفعيل وتطبيق هذا المبدأ على الواقع، هو مدى الدِّقة في تحديد الآتي:
أولاً: نوع المنكر، ودرجته في الشريعة، وحالته، هل هو من الصغائر أم من الكبائر؟ هل هو من القطعيات أم من الظنيات؟ هل هو من الأصول أم من الفروع؟ هل هناك فيه خلاف معتبر أم لا؟ هل وقع المنكر سرًّا خفيًّا بشكل خاص أم مجاهرةً وعلنًا بشكل عام وكان ضرره متعديًا؟
والمترتب على تحرير هذه التساؤلات هو: تحديد الموقف المناسب قَدْرًا وكيفًا تجاه المنكر، والإستبانة عن مدى صحة الإنكار، والمؤاخذة العلنية من الجهة المخوَّلة أم الإكتفاء بالمناصحة الشفهية أم تُصنَّف الحالة على أنها من المنكرات الخاصة التي لا يحق تتبعها والتجسس عليها حتى لو وقعت، ما لم تكن منكرًا ظاهرًا.
وهذا التفصيل يندرج تحت شرط العلم بالمنكر الذي قرره العلماء، فليس العلم بالمنكر هو مجرد معرفته فقط، بل من العلم بالمنكر كشف نوعه ودرجته وحالته وخطورته في الشريعة، فلا تصح التسوية بين منكرات صغائر أو مختلف فيها كالموسيقى وكشف وجه المرأة وبعض صور الإختلاط، ومنكرات كبائر أو مُجمع على تحريمها كالخمر والزنا والسحر والشعوذة.
ثانيًا: كيفية الإنكار، والمتعلقة بشرطي: القدرة الكافية والمكافئة أو المناسبة للحدث، وموازنة المصلحة والمفسدة أو تحقيق الإنكار بشكل لا يتسبب بمفسدة أكبر كما في تعبير أهل العلم، فليس مجال الإحتساب والإنكار محلاًّ للإجتهادات المندفعة غير المحسوبة، أو التي ليس لها أثرٌ فعَّال! مع ملاحظة أن قياس المصالح والمفاسد أمرٌ دقيق لا يُحسنه كل أحد، وكثيرًا ما تخضع حالات الإنكار للأخذ بالتخرُّص والظن والارتجال.
كما ينبغي مراعاة أن بعض الأحوال يكون الأقرب والأقدر عليها هو تقليل المفسدة وتحجيم المنكر ومحاصرته حسب المستطاع، وليس القضاء عليه كليًّا، لذلك ينبغي إعتبار ظروف المنكر والحال التي يكون فيها المتلبِّسون به، تفاديًا لحدوث مفاسد ربما تكون أعظم.
والملاحظ في الممارسات المعاصرة أن الإخلال بهذين الجانبين في عملية إنكار المنكر تسبب في الوقوع في العديد من التجاوزات، فثَمَّة ضعف ظاهر -وربما إنعدام- لتحرير درجة المنكر ونوعيته، وإضطراب في ترشيح الموقف الأمثل في معالجته، فضلاً عن غياب الدراسة الفقهية، وضعف التأهيل العلمي المناسب لكثير من أهل الإحتساب بالمسائل الشائعة بين الناس، وربما يكون بعضها من مسائل النوازل التي تفتقر لمزيد من التكييف والتحقيق، فمن المهم العناية بدراسة وتحرير الخلاف في المسائل الفقهية التي تنتشر المخالفة والخلاف فيها بين الناس، ثم التفريق بين ما ينكر عليه، وبين ما يسوغ فيه الخلاف ولا يقبل الإنكار، أو على الأقل ما لا ينبغي التشنيع والتشنُّج تجاه المخالف فيه.
إن من آثار الإخلال بفهم تفاوت درجات المنكر حصول الإضطراب في ردة الفعل المناسبة للحدث، مع الخلط والتضخيم والمساواة بين المنكرات مع تفاوت مراتبها في الشريعة.
ويتضح الإشكال في حملات التجييش الإجتماعي ضد بعض المنكرات التي تُصنَّف في خانة الصغائر، أو ما جرى فيه الخلاف كالنقاب والموسيقى واللحية ونحوها، أو ما كانت فيه المسائل من النوازل التي تتقارب فيها الأقوال كعمل المرأة أو قيادة المرأة للسيارة ومشاركة المرأة في الشورى أو إغلاق المحلات التجارية أثناء الصلاة حيث يظهر المخالف في هذه المسائل وكأنه شاذٌّ أو مرتكب لكبيرة، وهذا من الظلم والبغي العلمي والإجتماعي.
لذلك، يجب التأكيد على الآتي:
ـ بطلان التهويل المبالغ فيه لبعض المنكرات التي تتراوح ما بين مسائل صغائر أو مما يسعه الخلاف الفقهي.
ـ المطالبة والسعي لـ تقنين المنكرات، وتحديد أوصافها، وضبط الطرق والمسالك في إنكارها ومعالجتها، وتضييق دائرة الإرتجال والإجتهاد الشخصي من العضو المحتسب.
ـ ضرورة نشر أنواع المنكرات وإعلانها بين الناس، لنشر ثقافة الإحتساب، مع الوعي بالحقوق، حتى يعرف الناس حدودهم وحقوقهم، ويأمنوا من التعدي على حرياتهم وخصوصياتهم، ونشر الوعي في المجتمع بدرجات ومراتب المنكرات والفروق بينها، مع بيان المسائل الخلافية الشائعة، لتفادي التعصب والتشنج ضد المخالف، والمفضي للتنازع والتحزُّب المجتمعي.
والمطالبة بإعتبار هذه التفاصيل لا يعني التخفيف من وطأة المنكر، ولا التهوين من شأنه، بقدر ما هو مطلوب لسد الباب ضد الغلو، وإستغلال هذا المبدأ في التعدي على حقوق وأعراض الآخرين، سواء كانوا مخالفين أو عصاة بنظرنا، مع الدفع نحو مراعاة الحال، وإعتبار الملابسات، وإختيار الوسيلة الأنسب والأنجع والأهدى في تحقيق الإنكار الذي تتحقق به المصلحة والهداية، وليس مجرد إعلان الحرب وال،ستقواء والمغالبة والإصطفاف أكثر من تحقيق الأصلح للدعوة والناس.
هذا من جهة المنكر في ذاته والموقف في تكييف درجته، أما من جهة عملية الإنكار الميداني، فيجدر التفريق بين مبدأ الإحتساب، وبين الهيئة وأعضائها، أي الجهة التي تتبنَّى العمل الإداري الرسمي للإحتساب، فمبدأ الإحتساب هو المقدَّس، أما أعضاء الهيئة والمحتسبون فعملهم بشري يعتريه الخطأ والتقصير وربما سوء إستخدام السلطة، بحسب التعبير الوظيفي.
إن من المغالطات السلبية في خطاب بعض الدعاة تصوير حالة من التماهي بين الهيئة كجهاز وأعضاء وبين مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكأنهما شيءٌ واحد، مما يُصعِّب ويعرقل عملية التصحيح والنقد، ويسحب النقد الموجَّه للنظام والممارسة في الهيئة على نقد المبدأ في ذاته! حتى يعتقد عوام الناس أن نقد الهيئة وأعضائها هو نقدٌ للدِّين وشعيرةِ الإحتساب، فتنسحب هالة التقديس على الهيئة وأعضائها وكافة ممارساتهم، وهذا المفهوم المروَّج في المجتمع باطل ومُضرٌّ بالمبدأ حينما نعلِّقه على التصرفات البشرية المليئة بالإرتجال والأخطاء، فإذا كانت المهنة شريفة ومقدَّسة فلا يلزم من ذلك سلامة موظفيها من الخطأ والتقصير أو الإعتقاد بندرة الخطأ عندهم، أو التعصُّب والإنتصار لهم مطلقًا بعلم أو بدون علم، بحجة الوقوف معهم ضد المناوئين والليبراليين ونحوهم ممن يُعتقد فيهم أنهم يريدون هدم الشريعة، فها هي المِهَن الشريفة كثيرة كالتعليم وحفظ الأمن وغيرها، ومع ذلك يقع المعلِّمون ورجال الأمن في الأخطاء والتقصير، وينتقدهم الناس وبشدة أيضًا، ولا يتعصب أو يتعجب المجتمع من نقدهم!
وليس معيبًا ولا غريبًا أن يقع المحتسبون في الأخطاء أو فيما هو خلاف الأحكم والأولى، فهاهم أهل القرون الفاضلة قد وقعوا في ذلك.
ومن أمثلة ما جاء عنهم في ذلك:
= ورد في موطأ مالك وغيره عن أحد الصحابة حينما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم محتسبًا، ورفع له شأن ماعز بأنه واقع جاريته، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا هزال بئسما صنعتَ، لو سترتَه بطرف ردائك لكان خيرًا لك».
= وفي مصنَّف عبد الرزَّاق وغيره أن عبدالرحمن بن عوف قال: خرجتُ مع عمر بن الخطاب ليلة من الليالي نحرس المدينة، فرأينا سِرَاجًا، فقال عمر: هل تدري أين هذا السراج؟ قال: هذا في دار ربيعة بن أمية بن خلف، وهم شُربٌ الآن أي: سُكارى، قال: فتيممنا داره حتى سمعنا اللَّغَط والأصوات، فقال عمر: ما أظننا إلا قد جئنا ما لايَحِلُّ لنا، فقلت: أجل، فإنصرفنا.
= وأورد ابن مفلح في الآداب الشرعية أثرًا بسنده، وفيه: أن رجلاً دخل على سفيان الثوري بالبصرة، وقال له: يا أبا عبدالله، إني مع هؤلاء المحتسبة، ندخل على هؤلاء المُخنَّثين، ونتسلق على الحِيطان، فقال سفيان: أليس لهم أبواب؟! قال: بلى، ولكن ندخل عليهم لئلاَّ يفِرُّوا، فأنكره سفيان إنكارًا شديدًا وعاب فعلنا!
فهاهو الخطأ قد وقع من أهل الإحتساب في القرون الفاضلة، وكان أحدهم إما مخالفًا للحكمة أو مرتكبًا حرامًا كما في التجسس والمداهمة في المنكرات الخاصة الخفية، ولم يتساكت الناس عن النقد والمراجعة، بل أنكروا على بعض، وسجَّلت كتب الآثار الخطأ في الإحتساب والإنكار الحاصل عليه! ولم يؤثر ذلك النقد على قيمة مبدأ الإحتساب، ولا أسقط النقد من قيمة وهيبة المحتسبين حينما كانوا صادقين وأوَّابين للحق ولم تأخذهم العزَّة بالإثم!
وهكذا حال كل الأعمال والوظائف التي فيها مواجهة وإحتكاك بالجمهور هي مظنة الأخطاء والتقصير، بل والتعسُّف والإعتداء ظلمًا، أو إختلاف الإجتهادات ووجهات النظر، فلا تصح الحساسية المفرطة من نقد أعضاء الهيئة فهم بشر من البشر وهم كغيرهم من أطياف المجتمع، بل من المصلحة التشديد على الفصل والتفريق بين مبدأ الإحتساب وشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين إجتهادات المحتسبين ووجهات نظرهم، حتى لا يستغل المخالف المتطرِّف أخطاء المحتسبين وأعضاء الهيئة في ضرب المبدأ.
وليس من مصلحة مبدأ الإحتساب أن يظهر المحتسِبون بمظهر الجلاد الفظ الغليظ، الحريص على تأثيم المجتمع، وشيطنة كل العصاة، وإشعار الناس بأنهم هالكون.
وقد ورد النهي عن مثل هذا الإشعار إذا تجاوز حيِّز الشفقة والتحذير في صحيح مسلم في حديث: «مَن قال: هلك الناس، فهو أهلكهم»، قال الخطابي في بيان معنى الحديث: لا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساويهم ويقول مساويهم ويقول فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك، فإذا فعل ذلك فهو أهلكُهم، أي: أسوأ حالاً منهم بما يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة فيهم، وربما أدَّاه ذلك إلى العُجب بنفسه ورؤيته أنه خيرٌ منهم.
إن من صور الفظاظة في تقديم مبدأ الإحتساب صورة التقريع والتحقير للمخالف، والتي تكرِّس نظرة المجتمع الإحتقارية للمخالفين وأهل المعصية، بحيث يُرفع عنهم كل وصف إنساني، وتُجعل أعراضهم مستباحة للسب والشتم والقذف، بدون أيِّ شعور بتأنيب الضمير، وهذا مخالف لردة الفعل الشرعية الرحيمة والمشفقة.
وقد وردت في ذلك عدة نصوص، منها ما جاء في حديث المرأة البغي التي غفر الله لها حينما عطفت وسقت الكلب، فالشرع لم يُلغِ إنسانية هذه المرأة التي إمتهنت عملاً مُحرَّما وكبيرًا، بل كانت إنسانيتها وعاطفتها سببًا في غفران الرحمن، وكذا الرَّجل الذي جاء للنبي صلى الله عليه وسلم وقد أقام علاقة مع امرأة بطريقة محرَّمة فقبَّلها وفعل بها ما يفعل الرجل بزوجته غير أنه لم يُجامع! لم يستقبله النبي عليه السلام بتعنيف ولم يطالب بالبحث عن رفيقته التي فعل معها فعلته، بل بمجرد أنْ لمس منه الشعور بالندم إكتفى بتبليغه بأن صلاته المفروضة كفارةٌ له، وقرأ عليه وحي الرحمن: {إن الحسناتِ يُذهبن السيئات}.
إن في تفريغ مبدأ الإحتساب من البُعد الإنساني تجفيفًا لهذا المبدأ من هدفه الأساس، وهو خدمة الإنسان بحمايته من داعي الهوى والشيطان!
ومهما كان الحق مع أهل الإحتساب، فإن هذه المظاهر كافية في التنفير، وقد حذَّر الله جل وعلا نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم مع علوِّ مقام النبوَّة بقوله: {ولو كنتَ فظًّا غليظَ القلبِ لانفضُّوا من حولِك}.
فلا يكفي أن يكون الحق معك إذا لم تعرف كيف توصله وتؤدِّيه بالتي هي أحسن!
إن في التغافل عن النقد والمراجعة لعمل أعضاء الهيئة الميداني تكريسًا للأخطاء المتكررة، والتي قد تتسبب في الوبال على هذا الجهاز، كما أن المناصرة المندفعة ضد كل من ينتقد الهيئة ستخلق حالة من الصمم والغفلة والتجبُّر على الخلق.
إن من أهم مطالب التصحيح التوعوي في باب الإحتساب ما يأتي:
۱= تطوير الوعي الديني للمجتمع في استيعاب الفرق بين قدسية المبادئ الدينية، وبشرية التنفيذ والممارسة والفهم عنها، فليس كل ما يصدر عن الشيخ أو الداعية أو المحتسب من ممارسة أو فهم يكون معصومًا تحرم مخالفته ونقده، بل القدسية والتعظيم هي للمبادئ والْمُحكمات، ويبقى التصرف البشري اجتهادًا يقبل النقد والمراجعة والتصحيح.
۲= تطوير الوعي الديني في المجتمع لإستيعاب الخلاف الفقهي المعتبر، والذي ربما غاب كثيرًا عن التداول، لكنه في زمن العولمة الفقهية والإعلامية وتطوُّر البحث ثبتَ الخلاف الفقهي المعتبر في كثير من المسائل الفقهية التي إعتقد الناس إلى زمن قريب أنها محسومة ولا خلاف فيها، فينبغي على الخطاب الوعظي والحركة الدينية الدعوية تقبُّل الخلاف حتى ولو لم يكن راجحًا عند مشايخ البلد، وإحترام المخالف، وتوعية الناس والدعاة والمحتسبين بهذه المسائل، من أجل تخفيف حِدَّة التعصُّب والتشنُّج وما يتبعه من التفرُّق والتحزُّب، وإشاعة مبدأ التعايش والتسامح في ظل الخلاف الفقهي والفكري.
۳= التوعية بثقافة الإحتساب مقرونة بثقافة الحقوق، وتمييز الفرق بين الحقوق الشخصية والحدود العامة الشرعية، لضبط الإنفعالات، وحفظ الحقوق والحدود والأعراض من الإختراقات والتعدِّيات، سواء بحجة الإحتساب أو بحجة الحرية الشخصية.
٤= التوعية بالفرق والتفاوت بين مسائل الفقه العملية بحسب القطع والظن، والفرع والأصل، والكبير والصغير، والكلي والجزئي، وما يترتب على ذلك من فقه التعامل، وإنزال المسائل منازلها المناسبة، وضبط الإنفعالات بحسب درجات الحالات، بلا مزايدة على الغيرات فوق ما رتَّبته الشريعة، فليست كل دعوى بالغيرة والغضب لله تكون دعوى صحيحة أو مقبولة شرعًا، بل ربما تكون لغرض شخصي، أو هوًى خفي، أو لغلبة الطبع والعادة والمزاج الحادِّ الذي يختفي أو يختلط بستار الحميَّة الشرعية! ومقتضى العدل أن تُقدَّر الأمور بقدرها.
٥= الحذر من ضرر إدارة الخلاف في الموقف من المحتسبين والمسائل الخلافية بصيغة المفاضلة -مَنْ لم يكن معي فهو ضدي- والوقوع تحت تأثير الصراع والإصطفاف الأيديولوجي -الفكري- فتنقلب ممارسات الإحتساب من الإصلاح والهداية إلى الإنتقام والعداء الشخصي.
٦= يجب أن يتوسع في أذهان وإنفعالات وإهتمامات المجتمع مجالات المنكرات المهمَّشة، مثل:
المنكر الإقتصادي: كالواقع في بيوع الربا، والعِينة، والغش التجاري، والإحتكار، والغلاء الفاحش في الأسعار، وغير ذلك.
والمنكر الإداري: كالواقع في تأثير المحسوبيات والوساطات في التوظيف، وترسية المناقصات، وإهمال العمل، والتوسع في إهدار المال العام، والكيد الوظيفي بين الإداريين وتجاه الجمهور وغير ذلك.
والمنكر الاجتماعي: كالواقع في عقوق الوالدين، وقطع الأرحام، والعنصرية، والفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والبذخ، والتباهي، والتعدِّي بالسب والقذف على أعراض الآخرين، سواء بشكل خاص أو في وسيلة إعلامية، وغير ذلك كثير.
والمنكر السياسي: كالواقع في الإستبداد، والإستئثار بالسلطة، وسوء توزيع الثروات، والإعتقالات التعسُّفية، وغير ذلك.
ونحو ذلك كثير من مجالات المنكرات التي هي أعظم وأبعد أثرًا من كثير من المنكرات التي يرتكز عليها نشاط الهيئة في صورتها الحالية.
إن الإستقبال البارد والتفاعل الضعيف ضد هذه المجالات والأنواع من المنكرات المذكورة سابقًا، خَلَقَ في إعتقاد عموم الناس أنها منكرات بسيطة وصغيرة وهامشية ولا تستحق الإنفعال كتلك التي يحدث حولها الصَّخب كالغناء وعمل المرأة -كاشيرة- وقيادة المرأة للسيارة!
إن إضعاف أو إعدام العقل التحليلي والتفصيلي للتفريق في قراءة وفهم المواقف والأحداث سيعود بالسلب على العقل الجمعي للمجتمع، حيث ستُخلق بيئة صالحة للتعصُّبات والتحزُّبات والإحترابات الفكرية، وسينتج حالة من التنازع المستمر نحو الفشل والإخفاق، كما ستُنتج هذه الحالة مزيدًا من المتعصبين والمتطرفين والإقصائيين في كافة الإتجاهات الدينية والليبرالية وغيرها.
وحينما يغيب التفكير الإستفصالي، ويحضر التفكير الإنفصالي الإستئصالي، سيُفاجأ المجتمع بحالات من التمرُّد لم يتوقعها، وسينطلق كلٌ من جهته في سرد مظلوميته ونشر بكائياته، لكسب تعاطف الجماهير بطرق غير موضوعية وغير عادلة ولا صادقة، وبهدف المغالبة والإحتراب لا الهداية والرحمة.
الكاتب: وائل الحارثي.
المصدر: موقع نوافذ.